محمد حسين حمدان
سورية التي طالما فاخرت بنعمة الاستقرار عبر اربعين عاما منذ الثامن من آذار 1963 وتولي حزب البعث سدة السلطة ،تجد نفسها في مواجهة بحر من الدماء التي تطالب بالحرية وسورية حديثة ،ما يقارب الاثني عشر ألف شهيد سوري ما بين مدني وعسكري حصيلة الشهور الماضية وفقا للمرصد لسوري لحقوق الإنسان،ألف شهيد منهم قضوا خلال الأيام العشرة الأخيرة في حمص ،لتؤكد الدماء أن الأحداث التي اندلعت في 15 آذار العام الماضي لم تحط رحالها بعد،فما يزال قطار الأرواح مستمرا وسط تبني تام للحل الأمني من قبل النظام السوري والرغبة الجبَّارة للشارع السوري لاحداث التغيير .
وكانت سياسة المحاور القوية والإمساك بالملفات الأمنية والإقليمية الساخنة التي حافظ عليها نظام الأسد الأب والابن تصبح عبئا ثقيلاً على سوريا نفسها،فالقيادة في دمشق تجد نفسها مجبرة على الزج بكل أوراقها للخروج من الأزمة ،أمر رأى فيه الشركاء الإقليميون كإيران وحزب الله ضغطا مضاعفا قد لا يطاق احتماله،وان كانوا يجددون له باستمرار مواقف التأييد والمساندة .
وحملت الأيام الأخيرة تداعيات خطيرة بدأها تصريح معاون وزير الداخلية العراقي عن دخول "جهاديين عراقيين " إلى سوريا عبر الحدود العراقية السورية، وان اعدادهم تصل آلافاً، قيل بأن أغلبهم من ميليشات موالية لإيران تدخل سورية تحت صبغة طائفية بحتة،الأمر الذي برره محللون عراقيون بقولهم على سوريا تذوّق نفس الكأس الذي أشربتهم إياه عقب سقوط بغداد في 2003 ،غير أن الجهاديين الذين دخلوا العراق عبر الحدود السورية.كانوا يحملون عقيدة محاربة الأمريكان"المستعمر الكافر"،بينما العابرون للحدود السورية تحكمهم هوية مذهبية معينة وهذا ما دفع بوزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو الى زيارة إيران الشهر الفائت،حذر فيها حكومة نجاد من مغبَّة وقوع المحظور وجر المنطقة باكملها الى اقتتال طائفي ما بين شيعة وسنة.ومن الامور المثيرة للقلق اندلاع احداث دامية طائفية على الجانب الأخر للخاصرة السورية الرخوة على الحدود في طرابلس بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السوري بشار الأسد من اللبنانيين ذوي الانتماءات المذهبية ،سنة وعلويين ،ما بين درب التبانة وجبل محسن ،ليمضي الملف السوي بسرعة أكبر إلى التدويل ولتقول ان الشأن السوري والدم المسفوك لم يعد شأنا داخليا طالما انه يهدد امن واستقرار دول ولا سيما دولة هشَة السيادة كلبنان،في وقتٍ يعتبر فيه المراقبون بأن اللعب بالشأن اللبناني كاللعب بالنار.
وبرزت تطورات أخرى لا تقل أهمية تبعت الفيتو المزدوج الروسي -الصيني في خمسة فبراير من الشهر الحالي،أهمها تصريحات البنتاغون عن اعادة النظر في قدراته العسكرية في الشرق الاوسط.ودراسة كافة الاحتمالات الممكنة لحرب متوقعة ،تبعها خطاب العاهل السعودي الملك عبدالله هن اهتزاز الثقة بالمنظومة الدولية وعدم وجوب اقتران مصير دول بدول أخرى والرامية لوضع حد لسيل الدم السوري،وسط توقعات باعترف مجلس التعاون الخلجي بالمجلس الوطني السوري ،ودعم الجيش الحر ،وهو ما يطلق رصاصة الرحمة على اي مخرج سياسي يكون بيد النظام.
ويخالف تسارع في الأحداث الاعتقاد السائد لدى مسؤولي دمشق وكما عبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم مرارا بأن "انعدام وجود رائحة للنفط في سورية، لن يشجع على اي تدخل خارجي في سوريا "،ولكن الموقف السعودي قلب الموازيين بعد أن سأم التهديدات الايرانية الدائمة والمستفزة ؛حيث ترى دول الخليج التخلص من النظام في سوريا ضربة موجعة لإيران.
ايران البراغماتية بدورها يتوقع ان تلعب دورا لحماية لمصالحها وعدم التورط في حرب رغم تصريحاتها الطنّانة المؤيدة للنظام السوري،كي لا تودي بحلمها النووي مهب الريح قبيل اكتماله.
كما ان الرهان السعودي خاصة والدولي عامة مستمر لقلب الموقف الروسي ،لاسيما أنه طرح مسبقا مبادرة على النظام السوري تشبه المبادرة الخليجية للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، تقضي بتنحيه وتسليمه السلطات لنائبه،قبل ان تنقلب روسيا على مبادرتها قبل أيام قليلة من جلسة مجلس الأمن.ومن أهم أوراق المفاوضات التعهد بالحفاظ على المصالح الروسية لا سيما قواعدها العسكرية والتي أبرزها قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس.
في هذه الأثناء وكل دقيقة يبقى الانسان العربي متسمِّراً امام الشاشة،يرى أشلاءاً ودماء من أرض الشام،ينفعل يبكي يصفق الراحتين يصيح:"يا الله " السوري يقتل اخيه السوري والمنفعة لن تعود الا على الذي اغتصب أراضٍ عربية وينظر من بعيد ويراقب الدم السوري عن كثب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق